بقلم: مصطفى القلعي*
الدين، بقطع النظر عن القراءات الفلسفيّة والإيديولوجيّة التي نتّفق معها جزئيّا أو كليّا وهي محلّ اختلاف، هو شرط من شروط الحياة البشريّة. لابدّ من حراسته والحفاظ عليه، من قبل الجميع متديّنين وعلمانيّين، والتفكير في آليّات مواءمته مع المجتمع (actualisation)، وهذه عمليّة يجب أن تكون مستمرّة، ولا يجب أن تتوقّف حتى نتحاشى الأسلفة والرجعيّة بكلّ أشكالها. ولابدّ أن ننتبه إلى فشل كلّ محاولات إقصاء الدين أو التهجّم عليه أو احتقاره عبر التاريخ. فهي لم تنتج إلاّ ردود فعل عكسيّة تمثّلت في تيّارات عنفيّة إرهابيّة باسم الدفاع عن الدين. لابدّ من قراءة كتابات هابرماس الأخيرة وحواراته بتأنّ للاستفادة منها في معالجة محن مجتمعاتنا. فالمسألة معقّدة ومعالجتها فكريّة فلسفيّة وليست سياسيّة براغماتيّة. وهذا ممّا يعقّد الأزمة في تونس ويعقّدها. فنحن نبحث عن الحلّ عند غير أصحابه. إنّنا كمن يطلب الماء من الكهربائيّ والطعام من الميكانيكيّ. الدين مسألة فلسفيّة عقديّة فكريّة وجوديّة وليست مسألة سياسيّة. ولن تنفرج الأزمة التونسيّة دون اندراج المفكّرين والمثقّفين فيها وإبعاد السياسيّين عنها. من الخطإ استحواذ السياسيّ على هذه المسألة تعاطيا ومعالجة لأنّه سيوظّفها براغماتيّا ويجرّ الناس إلى العنف بقصد أو بدونه. أنا أعتقد أنّ الدين لا يناقش. ما يناقش هو الممارسة السياسيّة المتغلّفة بغلاف دينيّ أو الممارسة الدينيّة المسيّسة. وما يناقش هو القانون والمدنيّة وشروط التعامل والتعايش الجماعيّ. لابدّ أن تكون المسألة الدينيّة داخل هذه الأطر لا خارجها. إذن، على السياسيّ أن يوفّر فضاء الحوار الفكريّ الفلسفيّ لا أن يتدخّل فيه ولا يحتكره. المسألة الدينيّة حسّاسة وخطيرة. ولابدّ من التعامل معها بحذر شديد. إنّ أنهارا من الدماء تسفك. ودرجة الدمغجة الدينيّة عالية جدّا. ولا أظنّ أنّه من المناسب التعاطي معها بخطاب استئصاليّ.
—– —–
* كاتب من تونس