نورالدين المباركي *
1-عندما تتحدث الترويكا الحاكمة في تونس عن مكاسبها و انجازاتها في ادارة البلاد ، تذكُر مباشرة حرية الاعلام والتعبير غير المسبوقة في تاريخ تونس . ورغم ان هذا المكسب الحقيقي لا علاقة له بانجازات حكومة الترويكا لأن الفضل فيه يعود رأسا الى ثورة 17 ديسمبر- 14 جانفي ، فإن الواقع يؤكد أن هذه الحرية أصبحت مهددة بالتضييق منذ ان تولت حكومة الائتلاف الثلاثي الحكم اثر انتخابات 23 أكتوبر، بل بلغت خلال الايام الاخيرة أخطر درجات التضييق من خلال محاكمة الصحفيين و ايداعهم السجون على خلفية معلومات أدلوا بها أو أراء عبّروا عنها.
2- في كل الأنظمة، السياسة الاعلامية هي جزء من السياسة العامة التي تحكم بها الأحزاب الحاكمة، فإذا كانت هذه السياسة قائمة على الفصل بين السلطات وعلى استقلالية القضاء وعلى الفصل بين الادارة والحزب ،فإن السياسة الاعلامية ستكون قائمة على احترام استقلالية القطاع وعلى توسيع مساحة الحرية وعلى حماية الصحفي اثناء اداء مهامه وخاصة على اعتباره سلطة رابعة تمارس دورها في الرقابة وفي كشف الحقائق وفي التوجيه.
3- في تونس ،رغم أن المرحلية الحالية هي مرحلة انتقالية من المفروض أن تؤسس لنظام ديمقراطي ، فإن الحكومة المؤقتة التي تهيمن عليها حركة النهضة وضعت من أولوياتها الهيمنة على مفاصل الدولة والادارة والسلطة القضائية وتحاول اليوم الهيمنة على قطاع الاعلام ووضع يدها عليه تحت عناوين مختلفة.
أول هذه العناوين أن الاعلام في تونس غير محايد ويعمل لفائدة المعارضة على حساب الحكومة والأحزاب الحاكمة ، وثانيا أن الاعلام هو جزء من “الثورة المضادة” التي “تحن الى عهد الاستبداد” ، وثالثا أن الاعلام منخرط في “خطة الانقلاب على الشرعية”.
4- يُقر الاعلاميون في تونس أن دورهم في ثورة 17ديسمبر- 14 جانفي كان محدودا مقارنة بدور المدونين ومستعملي فضاءات التواصل الاجتماعي أو ما يسمى بالاعلام الجديد ، والسبب ليس علّة في الاعلاميين أو يكمن انخراطهم كلهم في مشروع النظام السابق ، السبب يكمن في حالة الهيمنة والسيطرة التي مارسها النظام السابق على المؤسسات الاعلامية العمومية والخاصة ، مثلما هيمن على القضاء و الادارة وكل مفاصل الدولة .ومع ذلك فإن حالة الهيمنة هذه لم تمنع عددا من الصحفيين من افتكاك مساحات مارسوا فيها حريتهم ( عدد من صحف المعارضة والمواقع الالكترونية)، ولم تمنع النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين من الدفاع عن استقلالية القطاع وحرية الاعلام .
وتبقى النقطة الابرز لتأكيد أن الصحفيين التونسيين كانوا دائما متمسكين باستقلالية قطاعهم وبحرية الاعلام في ظل النظام السابق هو فوز القائمة المستقلة في اول مؤتمر لنقابة الصحفيين(سنة 2008) في مواجهة القائمة الرسمية المدعومة من النظام، مما دفع للانقلاب على مكتبها التنفيذي الشرعي في أوت 2009.
5- نذكر بهذه الوقائع لنؤكد أن اتهام الاعلاميين التونسيين بأنهم جزء من الثورة المضادة ، هو اتهام غير واقعي من ناحية ، ومن ناحية أخرى هو مدخل للهيمنة عليه من جديد من طرف من وصلوا الى الحكم.
هذا المدخل تلته سلسلة أخرى من الحلقات انطلقت بالتحريض ضد الاعلاميين ( الاعتصام امام التلفزة التونسية) والاعتداء عليهم لفظيا و ماديا ثم القيام بسلسلة من التعيينات المسقطة التي تقوم على الولاء ، لتصل الى الحلقة الاخطر التي كشفت الوجه الحقيقي للموقف من حرية الاعلام ..حلقة محاكمة الصحفيين وايداعهم السجون على خلفية مواقفهم او نشرهم لمعلومات تهم الشأن العام .
بعد هذا هل مازال للترويكا الحاكم أن تقول إن مكاسبها وانجازاتها هي حرية الاعلام والتعبير ..لقد سفطت هذه الورقة مثلما سقطت أوراق مكاسبها الاجتماعية و الاقتصادية و الامنية.
——
* إعلامي تونسي