عسلامة – تونس
أصدر حزب التضال التقدمي بيانا حول الأخطاء السياسية للجبهة الشعبية وأسباب انسحابه منها، وجاء في البيان أن الحزب لا يمكنه المواصلة مع من “لا يستطيعون تحديد موقف واضح مما يسمى المجلس التأسيسي ويتسترون وراء تعابير لا معنى لها من نوع تعليق العضوية ويطالبون بحل المجلس التأسيسي وكل الهيئات المنبثقة عنه ثم يغيرون موقفهم بسرعة قياسية ويتراجعون عن مطالبهم ويروجون لحلول ترقيعية مستحيلة توهم بأن من الممكن إزالة الطوابق السفلى للبناء السياسي مع بقاء الطوابق العليا..” وحسب البيان دائما فإنّ الحزب لا يمكنه مواصلة العمل مع من “يضعون ثقتهم في واحد من أكبر أساطين نظام حزب الدستور في عهديه ويتركون له مهمة التفاوض باسمهم والحديث نيابة عنهم..”
وفي ما يلي نص البيان كاملا:
شارك حزب النضال التقدمي في تأسيس الجبهة الشعبية منذ تركيبتها الأولى التي ضمت خمسة أحزاب ثم بعد توسيعها في 7 أكتوبر 2013. وكان الهدف المعلن من هذه الجبهة كما تبينه وثائقها التأسيسية هو تكوين البديل الثوري عن الثنائية الممقوتة لليبيرالية في صيغتيها التجمعية والنهضوية، حيث ورد في أرضية الجبهة بالخصوص: “لقد أفرزت انتخابات 23 أكتوبر 2011 مجلسا تأسيسيّا تهيمن عليه حكومة الترويكا بقيادة “حركة النهضة”، واليوم بعد مرور قرابة ثمانية أشهر من وصول هذا التحالف إلى الحكم فقد بدا واضحا أنه يسير بخطى حثيثة نحو الالتفاف على ثورة شعبنا والتمهيد لإعادة إنتاج نظام التبعية والاستبداد والفساد بغلاف ديني”.
انطلاقا من هذا التحليل كان المنتظر من الجبهة التي تحمل مثل هذه الرؤية لتركيبة المجلس التأسيسي ولأهدافه أن تغتنم فرصة فشله وانتهاء صلاحيته القانونية التي حلت بعد الإعلان عن الجبهة الشعبية بشهر ونصف فحسب. لقد كان على أحزاب الجبهة الشعبية أن تسارع إلى سحب نوابها من المجلس وأن تطرد من صفوفها كل من يرفض الانصياع لهذا المطلب. ولكن أطراف الجبهة، عدا حزبنا، قد حافظت على عضوية المجلس وهذه حقيقة يعرفها الجميع ونحن لا نوردها من باب المزايدة بل لتقرير الوقائع. زيادة على ذلك ورد في الأرضية: “إن بلادنا تعيش أزمة حقيقية ولا مخرج لها إلا بمواصلة الشعب التونسي لمسيرته النضالية بأبعادها الوطنية والديمقراطية والاجتماعية والثقافية والبيئيّة حتى تحقيق أهداف الثورة كاملة وإرساء سلطة الشعب. ولن يكون ذلك ممكنا إلا بالقطع مع تشتت القوى الثورية والوطنية والديمقراطية والتقدمية أحزابا وجمعيات ومنظمات وشبابا وشخصيات مستقلة وتحالفها معا صلب جبهة شعبية تشكل بديل حكم حقيقي وتتجاوز الاستقطاب الثنائي المغشوش الذي يقابل بين “قطبين” والحال إنهما يلتقيان في الحفاظ على نفس التوجهات الاقتصادية الليبرالية المرتهنة للدوائر الأجنبية وإن تغلف أحدهما بغلاف “ديني” والآخر بغلاف “حداثوي” مما يدفع باتجاه طمس التناقض الحقيقي بين القوى المتمسكة بتحقيق أهداف الثورة والقوى التي تعمل على الالتفاف عليها”.
لقد تناست أغلب مكونات الجبهة بسرعة هذا التوصيف الصائب للثنائية الزائفة بين الليبيرالية الدينية والحداثوية وتراجعت عن وصفها للاستقطاب بأنه مغشوش وليس ذلك لأنها اكتشفت أن ما اعتقدته مغشوشا قد كان حقيقيا بل لأنها أرادت أن تنخرط في عملية غش واسعة لقواعد الجبهة الشعبية التي طالما هتفت: “لا نهضة لا نداء” مساوية بين الطرفين ومنسجمة مع منطلقات الجبهة.
إننا لن نستقصي هنا كل الانحرافات الجزئية التي جر إليها التنكر لأرضية الجبهة والتي آثرنا حينها التعامل معها بمنطق النقد من الداخل والاحتفاظ لأنفسنا بالحق في التباين وفي الإعلان عنه وهو ما مارسناه بكل جدية ودون ركون إلى التخريب. ولكن الانحرافات الجديدة ليست من النوع الذي يمكن الاستمرار في التعامل معه بهذا المنطق بل لا بد حيالها من المفاصلة مع مكونات الجبهة التي تريد المواصلة في الخط الانتهازي. لا يسعنا بعد الآن أن نواصل العمل مع الذين:
– لا يستطيعون تحديد موقف واضح مما يسمى المجلس التأسيسي ويتسترون وراء تعابير لا معنى لها من نوع تعليق العضوية ويطالبون بحل المجلس التأسيسي وكل الهيئات المنبثقة عنه ثم يغيرون موقفهم بسرعة قياسية ويتراجعون عن مطالبهم ويروجون لحلول ترقيعية مستحيلة توهم بأن من الممكن إزالة الطوابق السفلى للبناء السياسي مع بقاء الطوابق العليا.
– يقبلون بالإنخراط في جبهة معادية يقودها حزب هو الوريث الحقيقي للقطب الليبيرالي “الحداثوي” كما وصفوه ذات يوم.
– يضعون ثقتهم في واحد من أكبر أساطين نظام حزب الدستور في عهديه ويتركون له مهمة التفاوض باسمهم والحديث نيابة عنهم.
– يقبلون بالتفاوض مع حزب الإخوان أي القطب الثاني الذي يعرفون جيدا، كما هو مكتوب في أرضيتهم التي كانت، أنه مرتهن للدوائر الأجنبية.
– يشاركون في عملية اغتصاب الإرادة الشعبية عن طريق تفويض هيئات لم ينتخبها الشعب التونسي ومنها بشكل خاص منظمة الأعراف الشعبية جدا والتي أصبحت ترسم لشعبنا خرائط الطريق وتتولى أمر إخراجه من الأزمة التي نعتبر أن البورجوازية العميلة هي المسؤولة الأولى عنها.
– يحشرون أنفسهم دون أي تفويض وبغاية الانتهازية السياسية في عملية تشكيل حكومة ليس لها أي مرتكز شرعي.
لهذه الاعتبارات يعلن حزب النضال التقدمي:
1. الانسحاب التام والنهائي من “الجبهة الشعبية”.
2. رفضه البات تكرار خطأ ارتهان استقلالية قراره لأي تركيبات جبهوية لأن الساحة السياسية ليست بعد ناضجة لمثل هذا الشكل التنظيمي.
أخيرا نؤكد لرفاقنا ولكل جماهير الشعب أن مناورات الالتفاف على الإرادة الشعبية واغتصابها لن تفلح وأن الحل للخروج من الأزمة السياسية لا يحتاج إلى كل هذه المناورات المعقدة والحافلة بالفخاخ. خطتنا للخروج من الأزمة تتمثل في الخطوات التالية:
1. حل المجلس التأسيسي الكامل والبات.
2. تغيير صفة الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال تتولى الشؤون الإدارية فحسب.
3. الحد من صلوحيات رئيس الجمهورية بحيث لا يتعدى حد الجانب التشريفي.
4. تنظيم استفتاء يختار بمقتضاه الشعب، من ضمن الصيغ المعروضة عليه، الدستور الذي يريده.
5. تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية وتجديد انتخاب البلديات حسب ما سينصص عليه الدستور.